تتواصل فعاليات الدورة ال13 لموسم زهرة البرتقال “زهرية مراكش”بالمدينة الحمراء، بحضور فاعلين جمعويين ينشطون في مجال صون التراث، وجامعيين، وباحثين، وشخصيات من عالم الثقافة والفن.
مراحل تقطير ماء زهر البرتقال
كل بداية ربيع جديد هو يوم عيد للأسر المراكشية، التي تنتظر بفارغ الصبر أن تزهر أشجار النارنج او البرتقال المر، حيث تستعد النساء المراكشيات لعملية التقطير بعد الإنتهاء من عملية الجني، التي تأخذ أياما من قطف الأزهار اليانعة، ويتم التقاطها من الأرض بعد تساقطها أو بعد جنيها مباشرة من أغصان شجر النارنج المزهرة.
بعد اختيار الحبات المكتملة و الناضجة، يتم جمعها في بساط أو قطعة ثوب، لتنتقل إلى مرحلة أخرى لا تقل أهمية من عملية القطف، حيث يتم استخراج انيات التقطير أو مايسمى الإنبيق وهو وعاء تقليدي مصنوع إما من النحاس أو الطين أعد خصيصا لهذه المهمة، شريطة أن يتم إغلاق مسامه بإحكام حتى لا تتسرب منه أية قطرة، حتى تصل إلى قارورة التقطير حيث يجتمع ماء الزهر المقطر، وتحتفظ النساء بهذه الآنيات بعناية طيلة السنة في انتظار حلول فصل الربيع الموعد المنتظر للتقطير، حيث تدب البهجة والسرور في كل القلوب لتملأ طقوس الفرح كل بيت، طيلة فترة “تقطار الزهر”.
برنامج الدورة ال13 لموسم زهرة البرتقال “زهرية مراكش”
يتضمن برنامج هذا الحدث الثقافي، الذي يتواصل إلى غاية 14 أبريل المقبل، ورشات تقديمية حول موسمية تقطير زهرة البرتقال، ومعرضا فنيا، ومعرضا يبرز المنتجات الحرفية للتعاونيات، وموكبا لإهداء ماء زهرة البرتقال لضريح مولاي عبد الله الغزواني، وغرس شجيرات النارنج، وندوات حول “حاضر ومستقبل المدن العتيقة” و”فن المحلون والحدائق العطرة”.
كما سيتم تكريم عدد من الشخصيات، من ضمنها للا عائشة نوفل، الخبيرة في مجال الطرز التقليدي، والكاتبة رجاء بن شمسي، والخطاط محمد بديع بوسوني.
وفي كلمة خلال حفل افتتاح هذا الحدث، أشاد رئيس جمعية منية، جعفر الكنسوسي، بالنساء اللواتي سهرن على نقل هذا التقليد العريق وأسراره لبناتهن، مذكرا بأن تقطير زهرة البرتقال يعود كل سنة للاحتفاء بموسم الربيع (21 مارس) من طرف العائلات المراكشية.
من جانبه، أبرز رئيس المجلس الجهوي للسياحة بمراكش آسفي، حميد بن الطاهر، أهمية ودور هذا الموسم في تثمين أحد مكونات التراث الذي تحمله النساء، اللواتي استطعن نقل هذا التقليد إلى بناتهن من جيل إلى جيل، مشيرا إلى أن هذا الإرث يمكن من تقوية الروابط الاجتماعية أكثر حول تقطير زهرة البرتقال مع حلول الربيع.
“زهرية مراكش”، مبادرة منظمة من قبل جمعية منية لإحياء تراث المغرب وصيانته، بشراكة على الخصوص، مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل والمجلس الجماعي لمراكش وولاية الجهة والمجلس الجهوي والمكتب الوطني المغربي للسياحة، تهدف إلى صون هذا التقليد العريق وإطلاع العموم على تقنيات تقطير زهرة البرتقال.
من جانبها، أوضحت الكاتبة العامة لجمعية منية، ثريا عربان، أن الفضل يعود في توارث تقليد تقطير ماء الزهر منذ قرون إلى النساء، مسجلة أن حفل الزهرية يشكل مناسبة مواتية لتوطيد الرابط الاجتماعي بين الأشخاص من نفس العائلة وتجديد حس الانتماء إلى الجماعة.
يذكر أنه تم إدراج “زهرية مراكش”، منذ سنة 2022، ضمن قوائم منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) كتراث ثقافي للعالم الإسلامي.
وتميز حفل افتتاح هذه التظاهرة الثقافية بتنظيم ورشة تعريفية بهذا التقليد العريق، من تأطير السعدية بوفوس، التي أشرفت على تقديم طريقة تقطير زهرة البرتقال المغربية العريقة ومراحلها المختلفة والأدوات المستخدمة، إلى جانب سرد حكائي من طرف الفنانة سعاد مدياني، حول تاريخ تقطير زهرة البرتقال بمراكش.
انتقل التقطير مع مرور الزمن من داخل أسوار المدن العتيقة ليصبح اليوم حدثا عموميا ثقافيا واحتفاليا تشهده مدينة مراكش، وتحتفل به نساء المغرب في كل بيت، محافظات بذلك على هذا المورث الثقافي من الإندثار، حيث يتم تناقله من جيل إلى جيل، مع سعي دائم لإرساء موسمٍ أو عيدٍ مخصص للاحتفاء بالربيع.
Leave a comment