تُعد المدن الساحلية المصدر الأول للثروات البحرية في المغرب، وتعيش على إيقاعات الصيد اليومي، الا أنه وبالرغم من ذلك تجد ساكنتها نفسها كل صيف أمام واقع ارتفاع ملحوظ في أثمنة الأسماك، حتى تلك التي تُصطاد على بعد أمتار من الأسواق المحلية، ففي مدن مثل الصويرة وآسفي أو الحسيمة، قد يتضاعف ثمن الكيلوغرام الواحد من سمك السردين من 10 دراهم شتاءً إلى ما يفوق 25 درهمًا صيفًا، بينما يصل ثمن بعض الأنواع كالروبيان و”الميرلا” إلى 120 درهمًا أو أكثر، رغم كونها محلية الصيد.
ويأتي هذا الارتفاع في سياق موسم يُفترض أن يكون فصل الوفرة والانخفاض في الأسعار، نتيجة تحسّن ظروف الإبحار وارتفاع حجم الثروات البحرية، التي قد تتجاوز 1.5 مليون طن سنويًا في المغرب، بحسب معطيات المكتب الوطني للصيد البحري. لكن ارتفاع الطلب الناتج عن توافد السياح، إلى جانب تعقيدات سلاسل التوزيع وغياب المراقبة الكافية، يجعل المواطن المحلي أول المتضررين من هذا الواقع.
وفرة العرض لا تُخفّض الأسعار..من يُحدد ثمن السمك؟
يرجع بعض المهنيين هذا الارتفاع إلى عدة عوامل، من بينها ارتفاع كلفة التجهيزات البحرية ووقود القوارب، بالإضافة إلى الاعتماد على الوسطاء وسلاسل التوزيع الطويلة، الشيء الذي يضاعف الثمن النهائي، في المقابل يرى آخرون أن المضاربة تلعب دورًا أساسيا، خاصة في ظل ضعف آليات المراقبة.
في هذا الصدد أوضح الخبير الاقتصادي أمين سامي في تصريحه لـ2M.ma أن أسعار الأسماك في السوق المحلية لا يمكن فهمها بمعزل عن سلسلة طويلة من التكاليف التي تبدأ من مسار التصدير داخل الميناء. وبيّن أن هذا السعر الأولي للأسماك لا يشمل فقط تكلفة المنتج، بل تُضاف إليه مصاريف لوجستية متواصلة تشمل التبريد والثلج والنقل وعمولات متعددة للمستهلك الوسيط، إلى جانب الارتفاع المستمر في أسعار الوقود الشيء الذي ينعكس بشكل مباشر على سعر البيع لدى البائع الأول، وفق تحليله.
وشدد أمين سامي على أن المطاعم لا تبيع الأسماك كمجرد سلعة غذائية شعبية، بل كمنتج سياحي فاخر، ما يؤدي إلى رفع هامش الربح بطريقة تجعل من الأسماك بعيدة المنال بالنسبة لفئات واسعة من المواطنين.
كما أكد أن من بين العوامل المؤثرة أيضًا فترات الراحة البيولوجية للأسماك، بالإضافة إلى الكميات الكبيرة الموجهة للتصدير، وهو ما يؤدي إلى انخفاض العرض في السوق المحلية وبالتالي يساهم في ارتفاع الأسعار.
وختم أمين سامي تصريحه بدعوة الجهات المسؤولة إلى إعادة النظر في سلاسل التسويق والتوزيع، ودعم الصيادين المحليين بشكل مباشر، مع تعزيز الرقابة على الوسطاء، لتحقيق توازن عادل بين المنتج والمستهلك، حسب تصريحه.
السياحة ترفع الطلب والأسعار… والمواطن المحلي يؤدي الثمن
يتوافد آلاف الزوار على المدن الساحلية خلال فصل الصيف، الشيء الذي يرفع نسبة الإقبال على الأسماك والمأكولات البحرية، وهو ما يُحدث ضغطًا كبيرًا على الطلب مقارنة بالعرض، وبالتالي ترتفع الأسعار بشكل لا يراعي القدرة الشرائية للسكان المحليين، الذين يجدون أنفسهم محرومين من منتوج متجذر في ثقافتهم الغذائية.
في هذا الإطار أكد الخبير الاقتصادي أمين سامي أن الطلب السياحي المتزايد على الأسماك في المناطق الساحلية ساهم بشكل مباشر في ارتفاع أسعارها وتحولها من منتج غذائي أساسي إلى سلعة سياحية موجهة بالأساس للزوار وليس للسكان المحليين.
وأوضح سامي أن هذا الوضع يفرض اليوم العمل على تطوير مفهوم الآلة الإلكترونية الخاصة ببيع الأسماك وربطها بالهاتف النقال، بما يضمن الشفافية في الأسعار ويُمكّن المواطنين من تتبع العرض والأسعار لحظة بلحظة.
وشدد على ضرورة تشجيع الاكتفاء الذاتي المحلي، من خلال دعم أنشطة الصيد التقليدي والصيادين المحليين، إلى جانب توفير الدعم اللازم للمحركات والسفن، بشكل يُمكّنهم من تنفيذ رحلات بحرية أكثر انتظامًا وتوزيعًا أوسع للمنتوج، حتى لا يظل العرض مركّزًا في يد قلة من الوسطاء.
كما دعا إلى توجيه شحنات إضافية من الأسماك إلى المناطق الساحلية، التي تعرف ضغطًا كبيرًا خلال الموسم السياحي، وذلك لضمان استمرارية التزويد وتفادي نفاد المنتوج أو ارتفاع أسعاره بشكل مفرط.
وأضاف أمين سامي أن من الضروري أيضًا تنويع العرض السمكي المعروض للمستهلكين حتى لا يُستهلك نوع واحد فقط، وهو ما يخلق ضغطًا على فصائل محددة ويرفع من أثمنتها، خاصة في ظل الطلب السياحي المكثف.
وختم تصريحه بالتأكيد على أن التوازن بين متطلبات السياحة وحق السكان المحليين في الحصول على الغذاء البحري بأسعار معقولة، يمر عبر سياسات ذكية وشبكات توزيع فعالة، تدعم الإنتاج المحلي وتمنع الاحتكار.
المصدر: القناة الثانية
Leave a comment