جل الدول تسعى لإستقطاب السياح وتجهيز البنية التحتية التي تليق بهذا القطاع الحيوي، والذي يساهم بشكل مباشر في النسيج الإقتصادي الوطني، إلى جانب تطوير الخدمات السياحية ومحاولة التعريف بالمؤهلات الثقافية التي تتميز بها البلدان التي تعتمد على قطاع السياحة في تنمية اقتصادها، ويعتبر السكان المحليون من الفاعلين في جذب السياح وتوفير جو من الود والترحاب بالزوار القادمين إلى بلادهم، إلّا أن الأمر يختلف في إسبانيا.
حيث يقابل السكان المحليون السياح بشتى أنواع الإحتجاج ومناهضة السياحة، في ظل غياب تدابير حكومية فعالة لإدارة هذا التدفق الهائل للوافدين إلى إسبانيا، لجأ السكان المحليون في مختلف أنحاء البلاد إلى إضرابات عن الطعام، وعلّقوا لافتات مناهضة للسياحة في المواقع الأكثر استقطابًا للزوار، بل وصل الأمر إلى رشّ السياح ببنادق المياه كرسالة احتجاجية.
ومع اقتراب عطلة عيد الفصح، تتجدد مشاعر الغضب المناهضة للسياحة، وتتزايد وتيرة التحركات الشعبية التي تطالب السلطات بإجراءات تنظيمية صارمة، قبل أن تعود الوجهات السياحية مجددًا بالاكتظاظ في موسم الذروة السياحي.
ويعاني السكان في مناطق أخرى مثل برشلونة ومدريد من أزمة مشابهة، إذ أسهمت الطفرة السياحية في رفع أسعار الإيجارات، وفي يونيو الماضي، أعلن مجلس بلدية برشلونة عن خطة لإلغاء تراخيص الشقق السياحية تدريجيًا بحلول عام 2028، علمًا أن المدينة لم تصدر أي تراخيص جديدة منذ عام 2014، حين تم تجميد عدد الشقق السياحية عند قرابة 10 آلاف وحدة.
وفي خطوة تهدف لحماية سوق العقارات من المشترين الأجانب، تدرس السلطات فرض ضريبة بنسبة 100% على العقارات التي يشتريها غير المقيمين في الاتحاد الأوروبي. وتشير بيانات السجل العقاري الإسباني إلى أن الأجانب، بمن فيهم مواطنو الاتحاد الأوروبي، يشكلون نحو 15% من مجمل المشترين في السوق العقاري.
رغم هذه الإجراءات، لا يزال الغضب الشعبي محتدمًا، خاصة مع اقتراب عطلة عيد الفصح، التي تشهد عادة ذروة في أعداد السياح.
وفي مايوركا، أعلن السكان عن تنظيم تظاهرة في 5 من أبريل تحت شعار “لننهِ تجارة السكن”، للمطالبة بحلول جذرية لأزمة الإسكان.
وفي رسالة نشرها النشطاء، اتُّهم مالكو الفنادق والسياسيون والمستثمرون العقاريون و”الطفيليون من جميع الأنواع” بالتسبب في تدهور النظام البيئي للجزيرة، وإرهاق البنية التحتية والخدمات العامة، وناشد النشطاء السياح عدم القدوم إلى الجزيرة، واصفين إياهم بـ”مصدر مشاكلنا”.
وتُظهر بيانات المعهد الوطني الإسباني للإحصاء أن 33.8% من سكان جزر الكناري يواجهون خطر الفقر أو الإقصاء الإجتماعي، وهي النسبة الأعلى في البلاد بعد إقليم الأندلس.
وفي الأسبوع الماضي، شهدت تينيريفي موجة اضطرابات جديدة، حيث أقدم نشطاء على تخريب أسطول من السيارات المستأجرة، ملوحين بتصعيد تحركاتهم لتشمل استهداف المطارات.
وعاشت جزيرة تينيريفي احتجاجات تمثلت في الإضراب عن الطعام رفضًا لمشروعين من أجل لإنشاء فندقين جديدين، وقال بعض السكان إنهم اضطروا للنوم في سياراتهم أو في الكهوف لعجزهم عن دفع إيجارات السكن في الجزيرة.
وصرّح إيفان سيردينا مولينا، أحد منظمي الاحتجاجات، لوكالة الأنباء المحلية Olive Press قائلاً: “لا مشكلة لدينا مع السياح كأفراد، لكن هذا القطاع ينمو باستمرار ويستهلك موارد هائلة لا يمكن للجزيرة مجاراتها”، مضيفًا: “إن Airbnb وBooking.com أشبه بالفيروس الذي يلتهم الجزيرة تدريجيًا”.
ومن المرتقب أن تُعقد قمة في برشلونة خلال الشهر المقبل، تجمع 15 مجموعة ناشطة من إسبانيا والبرتغال وإيطاليا وفرنسا، لتنسيق جهود مواجهة ما يصفونه بالسياحة غير المستدامة.
وأكدت حركة “مينوس توريزمو، ماس فيدا” (سياحة أقل، حياة أكثر)، ومقرها مايوركا، أنها ستكثف نشاطها خلال صيف هذا العام، في إطار تحالف يهدف إلى التصدي لتداعيات السياحة المفرطة، والتي تعتبرها مسؤولًا رئيسيًا عن ارتفاع أسعار العقارات، وتهجير السكان الأصليين، وزيادة تكاليف المعيشة.
استقبلت اسبانيا أكثر من 90 مليون زائر أجنبي خلال عام 2024، وتشير تقديرات شركة الاستشارات Braintrust إلى أن هذا الرقم مرشح للارتفاع إلى 115 مليون بحلول عام 2040.
Leave a comment