العطلة المدرسية على الأبواب، وهذه هي الفرصة الذهبية للتنزه والسفر مع العائلة أو الأصدقاء أو في مجموعات سياحية، في اتجاه وجهة عَهِدَ البعض زيارتها في فصل الصيف، لكنها وجهة محببة في كل وقت من السنة، فإن قمت بزيارتها في فصل الشتاء فستجدها مختلفة عن زيارتك لها صيفا، لتبقى تجربة الربيع هي الأجمل.
تقع شفشاون في موقع استراتيجي بأسفل قمم جبال الريف، وهي بلدة جبلية صغيرة في شمال شرق المغرب، ويبلغ عدد سكانها 40,000 نسمة، وتقع على ارتفاع 600 متر عند سفح جبل القلعة وجبل مغو، اللذين يشكلان جبل الشاون.
تقدم وجهة شفشاون وضواحيها للزائر تجربة سياحية تشمل الاستمتاع بالمناظر الطبيعية المتنوعة، والتعرف على تاريخ وثقافة المنطقة، والاسترخاء في أجواء هادئة بعيدا عن صخب المدن الكبرى.
قبل الغوص في التجربة، ومد قرائنا الكرام ببرنامج الرحلة نحب أن نغوص بكم في التعريف التاريخي لهذه المدينة، ونجول بكم في بطاقة تعريفها المتجدرة في العراقة.
تاريخ وعمران المدينة الزرقاء كما يلقبها الزوار :
شفشاون هي مدينة أسسها الأمير مولاي علي بن موسى بن راشد سنة 1471 ميلادية، بما تشمله من حمام وفرن وجامع كبير، إلى جانب القصبة التي شكلت ثكنة عسكرية، في حين يؤكد مؤرخون أن المدينة تأسست لتكون رباطا جهاديا لمواجهة الغزو الصليبي الإيبيري بعد سقوط سبتة.
بنى أهل الأندلس “الموريسكيون” في شفشاون مسجد الأندلس، وكانوا قد جلبوا معهم الموسيقى الأندلسية وفن الطبخ وتصفيف الورود والزهور والهندسة المعمارية التي ميزت المدينة ودروبها العتيقة.
وحسب كتاب “من تاريخ شفشاون” لمؤلفه طه بن الفاروق الريسوني، بعدما استهل علي بن راشد مشروعه العمراني بتأسيس حومة السويقة وبأعلاها دار المخزن القصبة حاليا، ليأمر بعدها بتهيئة المشوار والسجن وثكنات الجيوش وأروية الخيل والدواب، بادر ابنه لتوسيع المجال العمراني لاستقبال أهل الأندلس الفارين من بطش محاكم التفتيش، علاوة على السماح للنازحين الأندلسيين ببناء حي ريف الأندلس.
المدينة الصالحة
تزخر مدينة شفشاون بتراث ديني هام، حيث تتوفر على ما لا يقل عن 20 مسجدا و11 زاوية و17 ضريحا، لذلك تلقب “بالمدينة الصالحة” أو “بالمدينة المقدسة”.
شفشاون مدينة على شاكلة لوحة فنية تلهم الزوار والمسافرين من جميع أنحاء العالم بألوانها الزرقاء، كما لو أنها كانت جوهرة تتوسط الفضاءات الخضراء لمنطقة الريف، بالإضافة إلى جمالها هذا، فشفشاون موقع جذاب أيضًا بفضل أجوائها الهادئة وأصالتها وغناها في التاريخ.
تقع “جوهرة الريف” في مكان سمح لها بالمزج بين عدد من التأثيرات الثقافية واللغوية: الأمازيغية والأندلسية والعربية.
ما يجب زيارته في المدينة “بداية البرنامج” :
تقع شفشاون بالقرب من مدينتي طنجة وتطوان، ويُمكن للسائح الأجنبي النزول في مطار إحدى المدينتين أو عبر ميناء طنجة المدينة أو عبر ميناء طنجة المتوسط، ثم التوجه إلى شفشاون عبر الحافلة أو سيارة أجرة في رحلة لا تتعدى 3 ساعات على أكثر تقدير.
أما اذا كنت سائحا مغربيا قادما من إحدى مدن المملكة، فأنت في حاجة لوسيلة تنقل، تقلك الى المدينة الزرقاء “شفشاون”، حيث تبعد بحوالي ساعة من السير بواسطة السيارة عن مدينة تطوان، أو يمكنك ركوب سيارة للأجرة ب70 درهم من مدينة تطوان الى غاية مدينة شفشاون أو ركوب الحافلة ب 40 درهم للفرد الواحد.
عندما تطأ قدمك مدينة “الشاون” كما يلقبها السكان المحليون، ستقابلك جبال الريف الشاهقة في منظر مهيب، من هنا تبدأ رحلتك نحو المتعة.
ابدأ زيارتك لشفشاون باكتشاف مدينتها القديمة، حيث تعتبر وجهة لا ينبغي تفويت زيارتها، وللدخول إلى المدينة العتيقة، يجب أن تمر عبر باب العين، الذي يعتبر معلمة رمزية هامة بشفشاون ويودن بانطلاقة رحلتك.
خلال نزهتك في هذا المكان المميز، حاول أن تنتبه إلى التفاصيل الدقيقة للأبواب والسلالم، ولا تنسى زيارة المعارض الفنية التي تقام بالمدينة.
يمكنك أن تستمتع من حين لآخر بالهدوء الذي يطبع المدينة القديمة، وبالعروض التي تقام في الشوارع والتي تمزج بين الموسيقى والأغاني والأهازيج التقليدية، كما يمكنك الاستراحة قليلا في “ساحة وطاء الحمام” لتناول وجبة الغذاء وتذوق الأطباق المحلية التي يتم إعدادها بواسطة عدد من المواد والمنتجات المحلية.
بعد الانتهاء من هذه الوجبة، يمكنك احتساء كأس شاي “شاوني” محلي منعش، والذي يتكون من 7 أعشاب ذات منافع صحية تساعد كثيرا على الهضم، ولإضفاء جو من الفرح يحبذ احتساء الشاي من شرفة أحد المطاعم بساحة “وطا الحمام” حيث تقابلك الصومعة الثمانية للمسجد الأعظم الشهير في المدينة.
أماكن المبيت :
تقدم شفشاون تجربة سياحية جذابة بأسعار معقولة، حيث توجد بالمدينة فنادق مصنفة ودور ضيافة يتراوح سعر الليلة فيها نحو 100 درهم إلى 1000 درهم، مع توفر شقق مفروشة للإيجار للعائلات بأسعار تتراوح بين 250 درهم و500 درهم، بالإضافة إلى إمكانية التخييم لعشاق المبيت بالخيم.
وقد تعززت ضواحي المدينة بعديد من المآوي بكل من مناطق: تنقوب، وباب تازة، وتلمبوط، والدردارة، وغيرها.
بعد قضاء ليلتك في أحضان الطبيعة، هناك سوق لا يجب أن تفوتك زيارته، يفتح أبوابه للزائرين يومين في الأسبوع، يتواجد في منطقة باب العين صباح كل يوم الاثنين والخميس، حيث ستجد فيه أنواعا كثيرة من التوابل والزيتون والحبوب وعسل “النبق”، إضافة إلى مجموعة من النباتات العطرية والمنتوجات التي يتم إعدادها على المستوى المحلي، وستصادف في السوق قطع ثوب أو قماش تعرض هناك تسمى بالفوطة، وهي رداء تقليدي ترتديه نساء الريف فوق تنورتهن، ويتميز بزركشته و ألوانه المختلفة.
ولا تنس أن تشتري الفواكه الطازجة وجبن المعز الطري من النساء القرويات، وأن تتذوق زيت الزيتون البكر، وطاجين الأنشوبة “تاغرا”، وطبق البايلا ذا الأصول الأندلسية، وتمتع بنكهة الطبخ المتوسطي وباقي أنواع الأكلات المغربية.
أنت تحتاج فعلا لهذه المصادر الغنية بالطاقة، لأن رحلتنا لليوم الثاني من دليلكم السياحي “بلادي دوور”، ستأخذكم في زيارة لمنطقة جبلية شهيرة، تقع في نواحي المدينة وتحمل إسم “أقشور“، وتلقب بـ”الجنة المفقودة”، وتبعد عن وسط مدينة شفشاون سوى بـ45 دقيقة من السير بواسطة السيارة.
ستجد في هذا الوادي مناظر طبيعية خلابة تمتد وسط الجبال الخضراء، تخترقها وديان عميقة ومنابع ذات مياه عذبة، إضافة إلى الشلالات الطبيعية التي تشتهر بها المنطقة.
للوصول إلى هذه الأماكن، يجب أن تركن سيارتك و تواصل مشيا، ولا تنس أن تأخذ معك أحذية مناسبة للمشي لمسافات طويلة، ولكي تكون التجربة مفيدة وغنية، يستحسن أن تستعين بخدمات مرشد سياحي معتمد من المنطقة، ستستغرق الرحلة للوصول إلى مكان تواجد الشلالات حوالي 3 ساعات، أما الوصول إلى قنطرة ربي، فسيتطلب منك ساعة من المشي فقط.
يبلغ ارتفاع هذه القنطرة على شاكلة قوس صخري، 25 مترًا فوق النهر، وتعتبر بمثابة لوحة فنية مبهرة من إنتاج الطبيعة، حيث تشكلت نتيجة عملية التعرية التي تسبب فيها واد “فردا”، وفيها ستتاح لك الفرصة لتجديد نشاطك بالشكل الذي يحلو لك.
ملاحظة هامة : تلزمك آلة تصوير طيلة رحلتك لمدينة شفشاون، وإن كان لديك هاتف بكاميرا تصوير عالية الدقة، فأنت تحتاج لشحن بطاريته بشكل جيد، توجد الكثير من المناظر والأماكن الخلابة التي تستحق التصوير.
لنكمل رحلتنا، مازال ينتظرنا الكثير لنكتشفه في هذا البرنامج الغني، سنزور منتزه “تلاسمطان” الوطني الذي تم افتتاحه سنة 2004، حيث يتميز بغاباته التي تفوح منها روائح عطرة تنبعث من أشجار الشوح والأرز والصنوبر.
يقع المنتزه على بعد ساعة من السير بالسيارة شرق شفشاون، وتغطي غاباته مساحة تقدر بـ58950 هكتار في المنطقة الوسطى من الريف.
يحظى المكان بسمعة جيدة وشهرة كبيرة بفضل تنوعه البيولوجي الكبير، فبالإضافة إلى الكهوف والوديان والمنحدرات، يمكنك مشاهدة أكثر من 239 نوعًا من النباتات وحوالي 40 من الثدييات بالمنقطة، بما في ذلك قرد المكاك البربري الشهير، كل ذلك وسط زقزقة العصافير، حيث تعيش أجواء وكأنك في حفل غنائي كبير، نظرا لتواجد أكثر من 100 نوع من هذه الطيور في هذه الغابة المميزة، كالعقاب الذهبي، الذي اختار أن يحط عشه بالمنطقة، صنفت الحديقة رسميا كمحمية للمحيط الحيوي العابر لبحر الأبيض المتوسط.
دون أن ننسى زيارة متنزه بوهاشم (محمية طبيعية يمتد على مساحة 8 آلاف هكتار)، ويتبع إلى شفشاون مع مساحات أخرى منه تنتمي إلى تطوان والعرائش، كما يتميز بوجود عديد من القمم الجبلية، ويعد مكانا مناسبا لعشاق السياحة الجبلية وسط غابات الأرز، والتنوب والصنوبر.
تصنيف عالمي واعتراف دولي :
تحتل شفشاون مراتب متقدمة في تصنيفات السياحة الدولية، وتتبوأ في كثير منها الصدارة، حيث جاءت حسب الموقع العالمي المتخصص في السياحة والسفر “تن بست دوت كوم” “10best.com”، في المرتبة الثالثة في قائمة 10 أجمل مدن سياحية في العالم، وما يميزها هو أزقتها الهادئة ومبانيها ذات اللون الأزرق، مما يمنحها جاذبية كبيرة في كل أنحاء العالم.
وكانت شفشاون قد حلت في المرتبة السادسة ضمن أكثر مدن العالم جمالا، متقدمة على العاصمة الفرنسية باريس في تصنيف أعلنته بوابة “كوندي ناست ترافلر” (Conde Nast Traveller) المتخصصة في السفر، التي تعتمد على معايير المعمار والفن والموقع الإستراتيجي والطبيعي في تصنيف المدن الأجمل في العالم.
Leave a comment