يوم بعد يوم يزداد حنين المغاربة إلى وطنهم الأم حيث تعاني الجالية المغربية من تحديات الغربة وإكراهات المهجر، بيد أن هذه المعيقات لا تمنعهم من خلق أجواء من الإنسجام والدفء، محاولين التغلب على هذا الشوق ما استطاعوا، عبر خلق أجواء مغربية خالصة، تشبه نظيرتها في البلد الأم.
في هولندا وبالضبط في العاصمة أمستردام، نجد أسواقا كثيرة تعج بالمنتجات المغربية والعربية، حيث توجد أسواق ومحلات يرتادها المغاربة، يسود فيها جو يُذَكرُ نوعا ما بالوطن، من خلال التجمعات الكبيرة والرفوف الممتلئة التي سرعان ما يتم إفراغها من الأطايب الآتية من عدة بلدان عربية وإسلامية، ومنها المغرب.
وفي الأحياء ذات الأغلبية المسلمة بأمستردام، تضاهي الأسواق والمحلات نظيراتها في المغرب، موفرة “الملوي” و”الشباكية” وجميع أنواع الخبز والحلويات المغربية وأصناف التمور المتعددة، بما يعكس تنوع مدينة كأمستردام، المتعددة الثقافات والتي تتعايش فيها 170 جنسية.
ولعل أبرز هذه الأسواق، سوق الشرق في مدينة “بيفير فايك”، الذي يقع في شمال هولندا، ويحمل إسم “سوق العرب” وهو إسم أُطلق عليه من طرف الجاليات العربية المقيمة بهولندا.
ويُصَنفُ سوق العرب كأكبر سوق داخلي في أوروبا يمزج بين جنسيات وثقافات مختلفة، وبه أكثر من ألف محل تجاري، من حوالي 40 خلفية ثقافية، يقدمون مجموعة متنوعة من المنتجات، التي تشمل قطع المفروشات، والأثاث المنزلي، والسجّاد، والأدوات المنزلية، والأدوات التكنولوجية، والملابس، والأحذية، وغيرها، موزعة على 16 قاعة، و3 أسواق خارجية، وسوق الذهب، وسوق للمنتجات الطازجة، وصالتين كبيرتين للطعام، وهنا يمكن للزائر اكتشاف ثقافة الطبخ المغربي التي تقدمها محلات الجالية المغربية، والتي تحملهم في زيارة للمغرب دون الحاجة إلى حجز طائرة والقدوم إليها.
ويفتتح السوق أبوابه يومي السبت والأحد، فقط حتى الساعة السادسة مساءً.
في بروكسيل بلجيكا، الوضع لا يختلف كثيرا هنا، التجار المغاربة خلقو لأنفسهم منطقة تجارية خاصة بهم تحاكي الأسواق الشعبية ببلدهم الأم.
في وسط العاصمة البلجيكية و بالضبط شارع “برابونت” ببروكسيل، يمكن للزوار إيجاد ضالتهم بين المنتجات والبضائع المعروضة من الزرابي والأواني المنزلية والملابس والأغطية والتمور بمختلف أنواعها، كل شيء يباع هنا.
وفي السياق لفت حميد وهو بائع للأواني المنزلية، إلى أن “سوق برابونت” يضم كل ما يحتاجه الوافدون إليه من المغاربة والبلجيكيين وغيرهم.
وأوضح أن السوق يشهد إقبالا طيلة شهور السنة، خاصة أنه يسجل “توافد المغاربة من داخل المدينة وخارجها، وأيضا الأجانب، كل شئ هنا يذكرك بالبْلاَد..”

ويشكل “شارع برابونت” مكانا مناسبا يقصده العديد من المغاربة من الدول المجاورة، خاصة فرنسا حيث يستغل معظمهم الفرصة للتسوق وتبادل الحديث بالدارجة مع التجار ومرتادي السوق، لعلها فرصة مواتية للوقوف على مدى تطور نطقهم للدارجة المغربية وعدم نسيانهم لها.
وصرح عبد الله، أحد التجار، أن “العديد من المواطنين المغاربة يبرمجون نهاية الاسبوع، لزيارة السوق والإلتقاء بأصدقائهم المغاربة القادمين من مدن أخرى”، ويشهد السوق حركة استثنائية خلال عطلة نهاية الأسبوع، حيث يتوافد الزوار بشكل كثيف، خلال ساعات معينة من الصباح.
غير بعيد عن بلجيكا، وفي جارتها الجنوبية فرنسا حيث تتواجد جالية مغربية تتجاوز المليون و700 ألف مغربي، ازيد من 300 ألف منها تعيش في العاصمة باريس وضواحيها، تشكل الجالية المغربية في فرنسا مجتمعا ثقافيا يسعى جاهدا لخلق الإندماج والتناغم الاجتماعي بين أفراد الجالية والمحافظة على العادات والتقاليد المغربية، في إطار احترام التنوع داخل بلد الإستقبال.
وهو ما نجده في الأسواق التي ينخرط فيها التجار عن طريق توفير سلعا ذات طابع مغربي خالص تذكرهم بالبلد الأم.
في سوق ايلواز بضواحي باريس أحد أشهر الأسواق التي يرتادها المغاربة، بالإضافة إلى زوار من جنسيات مختلفة أخرى، يحجون إلى السوق الذي يفتح أبوابه في وجه الزوار مرتين في الأسبوع في كل يومي جمعة وأحد.

ويوفر السوق منتجات محلية بعلامة مغربية خالصة كالتوابل والفواكه والخضر والزيتون، الكل يبحث عن ضالته، خاصة أن الأثمان تكون مناسبة والمنتجات أصلية لا يمكن الإستغناء عنها في اعداد أكلات مغربية كالطاجين والكسكس وطبق “الرفيسة” وغيرها، وبين من يبحثون عن اللحوم الحلال واعتادوا شرائها من الجزارين المغاربة، وتروي هدى التي جاءت إلى سوق “ايلواز” لشراء بعض البضائع التي تحتاجها والتي لا تجدها إلاَّ هنا، “في هذا السوق أحس كأنني في المغرب“، وأوضحت أن هذا الفضاء، يشكل فرصة للنساء الباحثات عن السلع المغربية، سواء الأواني أو مستلزمات الفراش أو الألبسة وغيرها.
ومن بين المحلات التجارية بهذا السوق تجدبك روائح الحلوى والخبز الطازج ممزوجة برائحة المسمن (وهي نوع من الفطائر المغربية)، والتي تسحب إليها المغاربة الذين يحملهم الشوق والحنين لأكلات الوطن الشهية.
منذ 2019 اعتادت ثريا وزوجها على الإفطار في هذا المكان كل نهاية أسبوع، وهي التي تسترجع ذكريات الطفولة عند كل قضمة من رغيف المسمن، وتقول بشوق “هنا أرى المغرب في كل مكان، أكثر ما اشتاق إليه هو الحي الذي ولدت فيه في مدينة الدار البيضاء، أشتاق إلى الروائح المنبعثة من البيوت ومحلات الحلويات وأفران المدينة العتيقة، وهذا السوق يذكرني بكل شئ يخص المغرب”.
قد تظهر لنا هذه الأسواق فضاءات عادية للتسوق، لكنها ذكريات وطن، وفضاء صغير يحمل معاني كثيرة لأشخاص غادروا موطنهم الأم، ليحطوا الرحال في وجهة حتى ولو تعددت فيها مساعي الإندماج، يظل الحنين إلى العودة غاية لا بد منها.
Leave a comment